الاختلاس هو واحد من الجرائم الخطيرة للغاية والتي قد تؤثر بشكل جسيم على نشاط الشركات، بل وفي بعض الأحيان يمكن أن تتسبّب جرائم الاختلاس في إنهاء النشاط بشكل كامل وفشل الشركات في الاستمرار في العمل. ولعلّ بعض الإدارات تعتقد بأنّها بمنأى عن خطورة الاختلاس ربما لفرط الثقة في الموظفين أو لاعتقادهم أن سياسات ونظم الشركة كافية للوقاية والردع ضد جرائم الاختلاس.
لكن من خلال الكثير من وقائع الاختلاس التي شهدناها من قبل فنؤكد لكم أنّه كما تتطوّر النظم الرقابية والإدارية فإنّ أساليب ووسائل الاختلاس وللأسف الشديد تتطوّر كثيراَ مما قد يجعل من الصعب إثبات جريمة الاختلاس فضلاً عن اكتشافها في وقت مبكر.
في هذه المقالة سوف نناقش كل ما يدور حول الاختلاس وما هو تأثيره على نشاط الشركات. بالإضافة إلى أهم الاستراتيجيات التي يجب أن يتمّ اتّباعها للحد من حدوث جرائم الاختلاس وكذلك ما يجب فعله عند اكتشاف الاختلاس.
أولاً: تعريف الاختلاس.
الاختلاس هو سلوك غير أخلاقي لا يختلف في مقدار جرمه عن السرقة. بينما الفرق بين السرقة والاختلاس يَكمُن في أنّ المُختلِس هو من يسرق مالاً أو منقولاً معهوداً إليه من قبل مالكه الأصلي الذي قام بتسليمه له على سبيل الأمانة.
وبذلك يسري الاختلاس ليس فقط على الأموال، لكن على المنقولات كذلك. (على سبيل المثال قيام موظف باختلاس أحد الأدوات والمهمات المسلّمة له أساساً لتيسير القيام بعمله.)
ويرى بعض الفقهاء القانونيين أن تغيير صفة المنقول بما يضرّ به وبكفاءته يعتبر أيضاً من قبيل جرائم الاختلاس. فقد يختلس الشخص أحد مكونات ويستبدلها بمكون آخر أقل كفاءة أو أقصر عمرا ليحصل لنفسه على فائدة شخصية تعود عليه.
أركان الاختلاس
جريمة الاختلاس تنطوي على ضرورة وجود ثلاثة أركان أساسيّة:
- الركن الأوّل: المجرم
وهو الشخص المرتكب لجريمة الاختلاس
- الركن الثاني: الضحيّة
وهو الشخص الّذي يمتلك المال أو المنقول محلّ الاختلاس سواء كان شخصاً طبيعيّاً أو اعتباريّاً.
- الركن الثالث: غياب الرقابة والضمانات
وهو العامل الأساسي لوجود ونشوء جريمة الاختلاس، فلولا غياب الرقابة لما استطاع المجرم ارتكاب جريمة الاختلاس. حيث تعتبر غياب الرقابة هي الفرصة التي يستغلها أصحاب النفوس الضعيفة لارتكاب جريمة الاختلاس.
أنواع الاختلاس
تنقسم فئات الاختلاس إلى ثلاث فئات:
- اختلاس الأصول (نقدية أو عينيّة)
- التقارير المالية والمحاسبيّة التي تنطوي على احتيال وتقديم معلومات وبيانات غير صحيحة عن عمد.
- الفساد.
ثانياُ: تأثير الاختلاس على نشاط الشركات
من البديهي أنّ جرائم الاختلاس يكون لها تأثير مباشر على أصول وممتلكات الشركات بمختلف أنواعها ممّا يعرضها لخسائر بعيداّ عن الخسائر التجارية الناتجة عن ممارسة النشاط أو أيّ من أنواع الخسائر الأخرى. بينما سنأخذ تأثير الاختلاس من منظور آخر قد لا يرد على أذهان الكثير من الناس على الرغم من أهميّته الكبرى.
ومن أهمّ الآثار المترتبة على حدوث جرائم الاختلاس ما يلي:
- التأثير الناتج عن شعور الموظفين الآخرين بالخيانة من قبل زميل لهم ممّا يؤثر على معنوياتهم وقد ينعكس هذا التأثير على الإنتاجية والحماس لتأدية مهام عملهم. كذلك قد يشعر الموظفون بأنّ الشركة ليست بالقوة والخبرة الكافية لمنع الاختلاس مما يفقدهم الثقة في المكان الذي ينتمون إليه.
- في الغالب ستتضرّر سمعة الشركة بشكل كبير ليس فقط في نظر العملاء الحاليين أو المرتقبين، بل لدى الموردين والشركات المنافسة التي يمكن أن تستغل هذا الأمر لصالحها وكذلك الموظفون المحتملون الذين سوف يفكّرون ألف مرّة قبل التقدّم للعمل في الشركة.
- قد تنشغل الشركة في النظر لأحوالها الداخلية وتعديل اللوائح والضوابط وأساليب الرقابة الداخلية مما قد يؤثر على باقي وظائف وأنشطة الشركة الأخرى الخارجيّة.
- قد تتأثر سمعة المدراء والمشرفين على الشخص الذي ثبت عليه الاختلاس، نظراً لعدم قدرتهم على حماية الشركة من جريمة الاختلاس، ذلك بخلاف نظرات الريبة والشك التي ستتوجّه لهم حتّى وإن لم يشاركوا في الجريمة.
ثالثاً: استراتيجيات الحد من الاختلاس
- خلق بيئة عمل إيجابية.
- توثيق سياسات الشركة والتأكد من إمكانية الوصول لها من قبل كل الموظفين وعدم التسامح مطلقاً مع انتهاكها.
- فصل المهام والواجبات حيث لا يجب أن يكون موظف واحد فقط هو المسؤول عن عملية كاملة من بدايتها لنهايتها، وإن لم يكن متاحاً في الشركات الصغيرة، فيجب أن يخضع الموظف لإشراف دقيق للغاية.
- يوصى بآلية تسمح للموظفين بالتواصل بشكل لا يكشف هويّتهم، بشأن التعبير عن مخاوفهم تجاه الاحتيال المحتمل. ومن المهم أيضاً أن يدرك الموظفون أنه لن تكون هناك عواقب سلبية عند “الإبلاغ عن المخالفات”.
تأكد من أن سياسة التوظيف الخاصة بك تتضمن:
- التحقق من التوظيف السابق والسعي للحصول على تفسيرات لأي فجوات في التوظيف
- فحوصات الشرطة – هناك شركات متخصصة يمكنها تقديم هذه المعلومات في غضون 48 ساعة
- التحقق من المؤهلات – الاطلاع على المستندات الأصلية أو الاتصال بالمؤسسات التي أصدرت المؤهل
- التحقق من الائتمان، وخاصة للموظفين في الأدوار المالية وأولئك الذين يتعاملون مع النقد
- استخدام التكنولوجيا للبحث عن الموظفين المحتملين، بما في ذلك عرض مواقع التواصل الاجتماعي.
- التحكم في الوصول المادي إلى المباني والسجلات النقدية وأنظمة الكمبيوتر والخزائن وغيرها من الأنظمة. بالإضافة إلى تصميم أنظمة مراقبة عالية وكذلك التحقق من هوية القائمين بتعديل أو تغيير ملفات أو أنظمة.
- التحقق من تفاصيل الموردين، بما في ذلك تفاصيل الحساب المصرفي، مع المورد الفعلي.
ما الذي يجب القيام به إذا تمّ اكتشاف جرائم الاختلاس
- إيقاف عملية الاختلاس عن طريق منع الموظف المختلس من الوصول إلى أي من موارد الشركة بما فيها أجهزة الكمبيوتر والبريد الإلكتروني.
- جمع المعلومات وإجراء تحقيق فوري مع ضرورة أن يعرف الموظفون المقربون من مرتكب جريمة الاختلاس أنه يمكنهم الإدلاء بالحقائق بشكل آمن عليهم.
- التحقيق مع الموظف مرتكب جريمة الاختلاس ويستحسن أن تستعين الشركة بالمختصّين والقانونيين في تلك الخطوة. ويمكن طلب الاستقالة من الموظف مع احتفاظ الشركة بحقّها في مقاضاته واسترداد ما قام باختلاسه.
مع العلم أن قانون المملكة ينصّ على إلزام الشركة بالاستعانة بتقرير اختلاس من مكتب محاسب قانوني أو مكتب محاسبة معتمد بما يفيد الاختلاس قبل إبلاغ السلطات المختصّة أو الشرطة بجريمة الاختلاس. - من الأهمية بمكان الاستعانة بمكتب محاسبة ذو سمعة وخبرة، وذلك نظراً لعدم إمكانية السير في إجراءات إثبات الاختلاس بدون توفّر تقرير اختلاس مقدم للشرطة من مكتب محاسب قانوني وفقا لما ينص عليه قانون المملكة.
إن من يقومون بارتكاب جرائم الاختلاس هم من ضعاف النّفوس ومن غاب عنهم الضمير والوازع الديني والأخلاقي ولذلك فهم يستخدمون من الوسائل الكثير لتحقيق أهدافهم الإجرامية. لذلك فمن الصعب منع جرائم الاختلاس بشكل نهائي، ولكن كما يقولون “الوقاية خير من العلاج”. فكلّما كانت الاحتياطات واستراتيجيات الرقابة والردع أكبر كلما قلت نسبة حدوث جرائم الاختلاس.